كنت اتابع حديثها
مشدوها بألفاظه المتشعّبة و التي تميل الى الرّمزية و الايحاء أكثر منه الى
التعبير المباشر حيث لم أفهم الكثير ممّا قالته متهكمة او مستفزّة للحاضرات
السّامعات، كانت كزيتونة معمّرة واقفة و ثابتة لا تتمايل و لا ترتعش رغم سنينها
المتقدّمة و شيخوختها الظّاهرة في تجاعيد رقبتها و ذبول لون الوشم على وجنتيها و
أعلى حاجبيها اتّسع ثقب اخراس اذنيها و تدلّى خرس فضي اللّون و المعدن حتى كاد
يلامس أعلى كتفها ، و لفّ رقبتها عقد "سخاب " العنبر الاسود فتناغم بياضها
بسواد العقد و انبعثت رائحة العقد تذكي الانوف الصّافية الدّقيقة الشمّ ،و تدلّى على خدّها " سالف " أو أو خصلة شعر تميل الى حمرة برتقالية بفعل الحنّاء
، و تحمل في معصميها اساور فضّية وفي أصابع يدها خواتم من الفضّة و الذهب ة على
ذراع يدها البسرى اشكال من الوشم الذابل من سطور متقطّعة و دوائر و نجوم و أهلّة و اشكال بربريّة معروفة عند
الواشمات.
نظرت اليهنّ و قد
لاحظت تهامسهنّ و ايحاءات التندّر و التأفّف من حديثها ثم قالت: ايه .. زمن
معكوس الحائرات امثالكنّ يمتن بعلتهنّ و
لا يدرين من الدنيا و الحياة شيئا، نعم تزوجت " ولد بن سالم" و انا لا
أحبّه و بكيت كثيرا في أول ايّام زواجي منه، كان رجلا كريما و شريفا و واسع الصّدر
، لم يضربني و يذلّني الى أن مات عليه رحمة الله ، اتمنى من الله و منه أن يغفر لي
ما سببته له من ازعاج في سنوات الزواج الاولى ،
فقد نشزت
و تركته و بتّ وحدي
لأشهر فلم يغضب و لم ينهرني و لم يتبرّم
منّي الى ان جاء يوم قال لي فيه : يا بنت النّاس حفظتك و رفعتك و دلّلتك و لم اشتك
منك لأحد ، كتمت سرّي و انتظرت فرجا شافيا ، لكنّ تبيّن لي أنك عازمة في أمرك و انه
لا رجاء في شفاء مرتقب ، فانظري جيدا في أمرك و اخبريني فان رأيتِ أن أعيدكٍ الى
أهلك فسأفعل و الله يخلفني غيرك فالكثيرات
يتمنينني بعلا و رجل بيت لهنّ سأمهلك ما استطعت قبل أن ينفذ صبري ثمّ أقرّر في
امرك ما يقوله العقل ....
" وِلْدْ بنْ
سالمْ" رجل و نصف يزيد عن الرّجل ، لا يُعابُ منه ما يُعَابُ في الرّجال ، تكتّم عنّي و لم
يخبر أبي بأيّ شيء ، كان يعلم أنه لو أخبره بما يحدث حقّا بيننا فسيقتلي كما سبق و ان
هدّدني منذ أن كنت فتاة ببيتنا ،لم يرتض لي الموت و الفضيحة أو اهانة عرشي امام
العروش الأخرى... في لحظة صدق مع نفسي
فهمت و عرفت كم سبّبت من ألم و وجيعة لرجل جواد كريم رحب الصدر جميل الخلق و
الاخلاق و كم كنت أنانية و عير أهل لكرمه
، طهر " ولد بن سالم" الله يرحمه أنه يضاهيه في كل شيء و يفوقه في بعض
الاحيان إلاّ في الغناء و ضرب الطّبل و ترانيمه الليلية فقد كانا يختلفان، كان
يميل الى قلّة الكلام كأيّ رجل وقور لا يتحدث الاّ اختصارا و ليس كثير المطالب و
قنوعا و عمود بيت قويم و سليم و فحلا ترتضيه كل امرأة حرّة.
في يوم خميس على ما أذكر، في يوم ربيعي ، عاد للبيت كعادته
و قد كان يحشّ و يجمع الاعشاب لعلف الابقار لشتاء قادم، عاد منهكا و فقد خرج منذ الصباح الباكر للعمل بالأرض البور،لمّا و صل استقبلته ببيته كما تستقبل اي زوجة بعلها ، و كنت تحمّمت و تسوّكت و تعطّرت و و ضعت "سخابي" هذا الذي اهدتني ايّاه أمّه رحمها الله ، كنت انتظر ان يفاجئ بشكلي او مظهري و ان يسألني او يطلب شيئا منّي لكنه اشاح عنّي بوجهه و تجاهلني كأننّي لا شيء أمامه، شككت في كل شيء ، في جمالي، في رغبته فيّ ، في حسن اختيار عطري و ملابسي في .... عندما اغتسل و تبرّد و ضعت المائدة أمامه ، دفعها بعيدا برفق ، كانت سحنة وجهه متبدلة على غير عادتها ، كنت اظنّ أنه سيفرح لما يراني في اجمل حلّة و بكلّ هذا التجمّل الذي ابدو عليه لكنني لاحظت امتعاضا و سوء قبول منه ، نفذ صبري، سالته : ما بك يارجل ؟ انت قلق و على غير عادتك كنت تبتسم في وجهي كلما عدت للبيت ، نظر في عينيّ بكل برود و قال : أراك في ثيابك الجديدة ، هل قرّرتي العودة نهائيا لبيت أبيك ؟ ألم أقل لك تريّثي قليلا ما دام لم ينفذ صيري عليك ؟ ان كان نعم فسأوصلك اللّيلة الي بيت والدك ، لا أريد أن يكون هذا في وضح النّهار لاتجنّب شماتة الناس فيّ و في والدك ... أشعر بمرارة في حلقي و لا رغبة لي في الاكل ، دعيني أنام فأنا منهك و اجمعي حليّـك و ما يتعلق بك و سأوصلك اللّيلة ...
°°°°° يُتْبَعُ ...
الحلاج ....
صيف 2014
النص (1)
https://www.blogger.com/blogger.g?blogID=8733706823267635351#editor/target=post;postID=4379232545842125707;onPublishedMenu=posts;onClosedMenu=posts;postNum=1;src=link
النص (1)
https://www.blogger.com/blogger.g?blogID=8733706823267635351#editor/target=post;postID=4379232545842125707;onPublishedMenu=posts;onClosedMenu=posts;postNum=1;src=link
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق