الخميس، 15 مايو 2014

ثـــــلــج الــكـاف الـدّافئ



صدقني جرّبت كل شئ  و أكلت ما املته عليّ النساء من الأعشاب و أنواع النباتات، ما ينبت في الكاف و في خارجها، اكلت عشبا  قيل أنّه ينبت في أرض المغرب ، دفعت سوارا من الذهب المعيّر الرفيع ثمنا لنبتة وحيدة من المغرب ، أكلتها كما اوصتني أحدى العاقرات مثلي التّي ادّعت أنها أنجبت بعد أن أكلتها ثمّ اكتشفت بعد سنة أنّها نصّابة و تعمل مع عصابة تمتهنُ الدّجل و التّلاعب على حبل آلام النّاس ، أكلتها مدّة ثلاثة أيام ، تقرّح فمي، و أُصبْتُ بالتهاب في اللثّة و بأوجاع في المعدة و حلات قيء شديد .. كدتُ أموت ، و كاد تقتلني الحرارة وشدّة الغثيان ، صَبرتُ ، قلت هانت مادمت سأنجب له ولدا أو بنتا  و " لأم الزّين" حفيدا أو حفيدة، في يوم من الأيّام قالت لي أمّي تصبّري و تحمّلي يا بنيّتي فهذا الألم لا يعادل نصف ألم المخاض، ابتسمت في وجهها و قلت لها هانت يا أمّي ما دمت سأصبح أمََّـا و سيراني حاملا لأثر من صلبه. هل تعلم ؟ أكلت ذيل أفعى أو ثعبانا مشويََـا، غلّفتها ب"البسيسة" في شكل مكعّبات صغيرة و وضعتها في العسل و الزّيت و أفطرت عليها مدّة ثلاثة أيام ، قيل لي أن ذيل الثعبان مشويا يذهب السّحر و يدرّ الحيض و ينعش الرّحم ، لذلك أكلت دون تردّد، و كانت شجاعتي لا تضاهيها شجاعة أيّ امرأة في الدّنيا ، انتظرت انقطاع الحيض و بوادر الوحم و لم يحدث هذا، كذّبوني و قالوا لي أنك لم توا ضبي على الافـطار في نفس المواعيد أو أنني لم أتناول الدّاء و تظاهرت بأكله ، أقسمت لهم بأنّني صادقة ، لكنّ لم يصدقني أحد من أهله و لا حتّى هو زوجي الذي كنت أظنّ أنّه سندي ، الوحيدة التي صدقتني هي " أمّ الزّينّ" حفظها الله ، كم بكتْ و كم تحمّلت معي ألمي و عذابي.
صدّقني جرّبت كل شيء قالوا لي جرّبيه للشّفاء من العقم ، فعلت كلّ شيء بحذافره ذون سهوِِ أو نسيان، أتصدّقني أنت أم أنك مثلهم ؟ قل، مالك صامت أتصدقني؟ ... شربت دواء مرّا كالحنظل حتّى أحسست أن حلقي ذاب ، و شربت على خواء ماء العـود الحارّ حتى اشتعل بطني كمجمار فحم، توسّدت التّمائم و قرأت أيات "الكرسيّ" و أعدت قراءتها مدّة ما بين العيدين حتى حفظتها عن ظهر قلب، هكذا قال لي شيخ أحد الزّوايا بعد أن دفعت له أجرة شهر كاملة التي سلمني ايّاها طليقي لتغطية مصاريف البيت و حاجياته..  
أتصدّقتني ؟ جرّبت كل شيء إلاّ أن أخونه في عرضه ... فيي يوم من الأيام قالت طبيبة علاج العقم أن العيب منّي و أنّني لن أنجب و أنّ عليّ الامتثال للأمر الواقع، لم أصدّقها، قلت إنّها كاذبة ، فعمّتي قالت أنّني سأكون ولُـودا... نعم، أغـمي عليّ يومها لكن لم أصدّقها.
تكلّم مالك صامت كالجلمود و فاغر الفم هكذا، كأنّي أحكي مع الباب و الطّاولة، هات يدك ، ضعها على بطني ، أتحسّه باردا كجبل من ثلج ؟ أيعقل أن أكون عاقرا؟ لماذا ابتلاني الله من دون ألاف النّساء بالعقم؟  آآآآآه ... لو وهبني الله ولدا واحدا لزهدت في الدّنيا و في الرجال... يالكم من رجال، استثني أبي فقط . و أنت ؟ هههه.. كنت استثنيك مثله في يوم مّا  لكنّني اكتشفت أنّك مثلهم ... اكتشفت و يال خيبتي أنّك لا تفوقهم في شيء ، أنت مثلا لا تملك الشّجاعة اللّازمة لتزورني في النهار و أمام عيون الناس، لا تزورني إلا لمّا يطبق عليك السّكْرُ و يكون ليل و يكون ثلج، لماذا؟ هل كثير عليّا أن يزورني رجل في النهار و استقبله بالأحضان و حتى بكانون من البخور شماتة في الحاسدات من جاراتي؟ أهنّ أجمل منّي أم أقدر منّي على ترتيب بيت و تصنيف طعام و إدارة بيت الزّواج ... اقتربْ منّي و شمّني، هذا صدري، قلت شمّني هل تنكر رائحة قبيحة منّي ؟ لا أريد منك إلاّ الصّـدق فقـلْ الحقيقة برأس أمّك ، و الله لن أغضب منك حتى لو انكرت منّى شيئا ، من يدري لعلّ بي عيب زيادة على العقم هذا إذا كانم العقم عيبا ... قاضي المحكمة قال لي أنّ بي عيبا و لما سألته ما عيبي يا سيّدي ،  قال لي أنه من حقّه أن يكون له ابناء ...
قالت لي " أمّ الزين" يوما ، يا بنيّتي إنّ طالع السّوء يتبعك منذ طفولتك فلولا لطف من الله لأصابك عور .. لقد حسدوك في جمال عينيك ، فعندما كنت في الثالثة من عمرك سقطتي على وتَــد معدني في الارض و نزفت عينك دما و خفت على عينك من يصيبها العماء فتدبت وجهي و تضرعت الى الله أن يحمي عينك فاستجاب لي و نجت عينك  بعد أيّام من هذا الحادث المرعب... تحسّسْ حاجبي ، جسَّ قوس العين ، ألا تلاحظ آثار جرح قديم غائر ؟ هو ذاك الذي كاد أن يفقـدني عيني...
البارحة أكلت قليلا و الليلة لم تأكل إطلاقا، ألا يعجبك طبيخي و اعدادي للطعام ، أكانت تعدّ لك الطعام أحسن منّي ؟ أجبني مرّة واحدة فقط فقد قتلني هذا الصّمت، كأنّني أحكي مع الجدار ... و الله لن أعفر لك تجاهلك لي يوم زيارتي لك و هذا الصّمت المزعزع الذي تظهره ... قل أيّ شيء يا رجل ، الليلة لست سكرانا حتى اساعدك على غـسل أطرافك ، هذا الماء السّاخن و هذه منشفة الساقين و هذه منشفة اليدين و الوجه و هذا عشاؤك على المائدة ، افعل ما تريد فإن " أمّ الزين   تنتظرني بالبيت ...


الحلاّج ....
فقرة من سلسلة " ثـلج الكـاف الـدّافئ "    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق